فتحى ندا يكتب : الإستثمار الخارجي المباشر بين بيع الأصول والمساس بالسيادة الوطنية

كتب /  فتحى ندا 

هل الاستثمار الخارجي المباشر بيع لأصول الدولة المستقبلة للاستثمار؟ وهل بيع بعض من أصول الدولة بالإستثمار الأجنبي المباشر ينطوى على شيئا من التفريط في السيادة الوطنية؟ وما هي العواقب المحتملة لبيع أصول الدولة بالإستثمار الأجنبي المباشر على السيادة الوطنية في بعض الأحيان؟
إذن: ما هي القطاعات الحيوية والاستراتيجية التي يمكن للدول جذب الاستثمار الخارجي المباشر فيها؟ وما هي الاستراتيجيات التي يمكن للدول اتباعها لجذب الاستثمار الخارجي ؟
هل هناك دول نجحت في جذب الاستثمار الخارجي دون المساس بسيادتها الوطنية كما فعلت مصر؟
ما دعاني الى الكتابة تحت هذا العنوان هو ما شاهدناه يوم الجمعة الماضى الموافق 23 فبراير 2024م من مراسم توقيع مصر ودولة الإمارات العربية المتحدة على أكبر إتفاقية إستثمار خارجى مباشر في تاريخ مصر والتي من شأنها أن تُسهم بشكل مباشر في التخفيف من أعباء الأزمة الاقتصادية الخانقة التي تعانى منها الدولة بكافة مكوناتها هذه الأيام ومنذ قبل أكثر من عامين تقريبا. ولقد وجدتها مناسبة ليس للحديث حول تفاصيل الصفقة والإستفادة منها ولكن للحديث بصفة عامة عن الإستثمار الخارجي المباشر وفوائدة ومحاذيره وعواقبه التي قد تكون محتملة الحدوث في بعض الأحيان. ولإيجاز الحديث حول هذا الموضوع الهام والكبيروالمتشعب في هذا المقال نورد الإجابة على الأسئلة التي تم عرضها في البداية هنا حيث تغطي أهم النقاط الجدلية التي كثر النقاش حولها قبل وبعد توقيع صفقة ” رأس الحكمة”.
فتحى ندا يكتب : الإستثمار الخارجي المباشر بين بيع الأصول والمساس بالسيادة الوطنية
 نعم، يُعتبر الاستثمار الخارجي المباشر عادةً بيعًا لأصول الدولة المستقبٍلة للاستثمار. عندما تتلقى دولة استثمارًا خارجيًا مباشرًا، فإنها تسمح للمستثمرين الأجانب بامتلاك وتشغيل مصانع ومشاريع وعقارات وممتلكات أخرى داخل حدودها. وبالتالي، يتم تحويل أصول الدولة إلى ملكية المستثمرين الأجانب الذين يسعون للاستفادة من الفرص الاستثمارية في تلك الدولة.
ويُعتبر الاستثمار الخارجي المباشر من أهم عوامل تعزيز التنمية الاقتصادية ونقل التكنولوجيا وتعزيز النمو الاقتصادي في الدول المستقبلة له. فعندما يستثمر المستثمرون الأجانب في هذه الدول يتم تحويل رأس المال والمعرفة التكنولوجية والممارسات الإدارية الحديثة إلى تلك الدول. مما يسهم في تحسين الإنتاجية والكفاءة وتطوير الصناعات المحلية، ومع ذلك يجب على الدولة أن تضع سياسات وآليات لضمان أن الاستثمار الخارجي المباشر يحقق المصالح الوطنية والتنمية المستدامة للبلاد. يتخذ الاستثمار الخارجي المباشر عدة أشكال، منها إنشاء شركات تابعة بالكامل أو المشاركة في شركات محلية أو الاستحواذ على أصول موجودة.
للاستثمار الخارجي المباشر فوائد عديدة للدول المستقبلة منها:
1- جذب رأس المال الأجنبي مما يعزز الاستثمارات ويدعم النمو الاقتصادي ويعزز فرص العمل.
2- نقل التكنولوجيا والمعرفة التقنية إلى الدولة المضيفة مما يسهم في تحسين التكنولوجيا المحلية وتعزيز قدرتها التنافسية. 3- تطوير البنية التحتية في الدولة المضيفة. مثل البنية التحتية النقلية والاتصالات والطاقة مما يعزز القدرة التنموية للدولة. 4- توفير فرص عمل للسكان المحليين مما يقلل من معدلات البطالة ويحسن المعيشة. 5- تنويع القطاعات الاقتصادية في الدولة المضيفة.مما يقلل من التعرض للمخاطر ويزيد من المرونة الاقتصادية.
فتحى ندا يكتب : الإستثمار الخارجي المباشر بين بيع الأصول والمساس بالسيادة الوطنية
ومع ذلك، فمن المهم أن تتبع الدول سياسات استثمارية سليمة وآليات رقابية فعالة لضمان استفادتها القصوى من الاستثمار الخارجي المباشر وحماية مصالحها الوطنية. وينبغي أن تتضمن هذه السياسات:
1- إطار قانوني وتنظيمي واضح وشفاف للتعامل مع الاستثمار الخارجي المباشر، يحدد هذا الإطار حقوق وواجبات المستثمرين الأجانب والآليات المتاحة للحماية القانونية وتسوية المنازعات.
2- تحديد القطاعات الحيوية والاستراتيجية التي تهدف إلى جذب الاستثمار الخارجي المباشر لها وتعزيز التنمية المستدامة ويمكن أن تقدم الدولة حوافز مالية وضريبية وتسهيلات أخرى للمستثمرين الأجانب في هذه القطاعات.
3- حماية المصالح الوطنية أثناء جذب الاستثمار الخارجي المباشر حيث تشمل هذه الحماية إجراءات مثل فحص الأمان ومراجعة الاستثمارات الأجنبية للتحقق من عدم وجود تهديد للأمن القومي والحفاظ على سيادة الدولة.
4- تنمية الموارد البشرية المحلية لتعزيز التوظيف المحلي وتعزيز قدرات العمالة المحلية في الاستفادة من التكنولوجيا والمعرفة المنقولة عبر الاستثمار الخارجي المباشر.
5- تعزيز الشفافية ومكافحة الفساد في جميع جوانب الاستثمار الخارجي المباشر، إذ ينبغي أن يكون هناك نظام رقابة فعال يضمن تدفق الأموال بشكل قانوني وشفاف ويحارب الفساد المحتمل.
وباختصار إن الاستثمار الخارجي المباشر يمكن أن يكون فرصة للدول لجذب رأسمال ونقل التكنولوجيا وتعزيز التتنمية الاقتصادية، ومع ذلك يجب أن تتبع الدول سياسات استثمارية مدروسة لضمان استفادتها القصوى وحماية مصالحها الوطنية وأمنها القومي.
فتحى ندا يكتب : الإستثمار الخارجي المباشر بين بيع الأصول والمساس بالسيادة الوطنية
 أما عن الفرق بين بيع أصول الدولة للمستثمر والتفريط في السيادة الوطنية، فهما مفهومان مختلفان يرتبطان بمجالات مختلفة في السياسة والاقتصاد. وفيما يلى شرحًا لكل منهما:
أولا: بيع أصول الدولة للمستثمر: هذا المصطلح يشير إلى عملية بيع الأصول العامة أو المملوكة للدولة لمستثمرين أو شركات خاصة. يتم ذلك عادةً من خلال عملية خصخصة أو بيع ممتلكات الدولة أو ترخيص الشركات الحكومية للقطاع الخاص. الهدف الرئيسي من هذه العملية هو تحقيق فوائد اقتصادية ومالية للدولة وتعزيز الاستثمار الخاص والتنافسية في القطاعات المعنية.
ثانيا: السيادة الوطنية: تعني السيادة الوطنية سيادة الدولة واستقلاليتها في اتخاذ القرارات السياسية والاقتصادية والاجتماعية. وتشمل السيادة الوطنية حق الدولة في تحديد سياستها الخارجية والداخلية وإقامة القوانين والتشريعات والتصرف في مواردها الطبيعية والمالية بما يتوافق مع مصلحتها الوطنية ورغبات شعبها.
بينما يمكن أن يتداخل هذان المفهومان في بعض الأحيان. فإنهما يرتبطان بجوانب مختلفة من السياسة والاقتصاد. فعملية بيع أصول الدولة للمستثمر تتعلق بالسياسة الاقتصادية وتنظيم القطاع الخاص.بينما تتعلق السيادة الوطنية بالاستقلالية السياسية والقدرة على اتخاذ القرارات المستقلة كدولة.
فتحى ندا يكتب : الإستثمار الخارجي المباشر بين بيع الأصول والمساس بالسيادة الوطنية
 وعن العواقب المحتملة لبيع أصول الدولة للمستثمرين على السيادة الوطنية في بعض الأحيان
يجب القول أن هذا قد يحدث إذا تضمن بيع الأصول موارد حيوية مهمة مثل النفط والغاز الطبيعي أو الموارد الأخرى الحيوية التي تشكل جزءًا مهمًا من اقتصاد الدولة. بيع هذه الأصول والموارد الحيوية للمستثمرين الأجانب قد يؤدي إلى:
1- فقدان السيطرة المباشرة على هذه الموارد وتحويل العوائد المالية والفوائد الاقتصادية إلى الجهة المشترية.
2- تقليل استقلالية الدولة في القرارات الاقتصادية. إمتلاك المستثمرون الأجانب للشركات والموارد الحيوية يمنحهم الفرصة للتأثير على القرارات الاقتصادية والتنموية وفقًا لمصالحهم الخاصة. وهذا قد يقلل من قدرة الدولة على تحقيق الأهداف الاقتصادية والاجتماعية المستقلة.
3- الاعتمادية الاقتصادية على هؤلاء المستثمرين إذا تم البيع دون تطبيق آليات قانونية واضحة لحماية مصالح الدولة والشعب. هذا يعني أن الاقتصاد الوطني يمكن أن يصبح عرضة لتقلبات السوق العالمية وقرارات الشركات الأجنبية، ويمكن أن يكون لديهم نفوذ كبير في تحديد سياسات الدولة.
4- تأثير سلبي على الأمن القومي، فعندما يمتلك الأجانب أصولاً حيوية في الدولة مثل البنية التحتية الحيوية أو القطاعات الاستراتيجية، فإنه يمكنهم التأثير على الأمن القومي والتلاعب بالموارد والبنية التحتية حسب رغباتهم ومصالحهم.
**** وعن القطاعات الحيوية والاستراتيجية التي يمكن للدول جذب الاستثمار الخارجي المباشر فيها يجدر القول أن هناك العديد من القطاعات التي قد تختلف من دولة لأخرى بناءً على ميزاتها التنافسية واحتياجاتها وظروفها الاقتصادية والسياسية. ومع ذلك هناك بعض القطاعات التي عادة ما تكون موضع اهتمام المستثمرين الأجانب، منها على سبيل المثال: 1. الطاقة المتجددة والحفاظ على البيئة، 2. التكنولوجيا والابتكار، 3. الصناعات الصحية والرعاية الطبية، 4. البنية التحتية والنقل.5. الصناعات التحويلية، 6. السياحة والضيافة.
فتحى ندا يكتب : الإستثمار الخارجي المباشر بين بيع الأصول والمساس بالسيادة الوطنية
 ومن المهم أن تحدد الدولة استراتيجياتها وتنمّي قدراتها التنافسية في القطاعات التي تسعى لجذب الاستثمار الخارجي المباشر فيها حيث تتوفر العديد من الاستراتيجيات التي يمكن للدول اتباعها لجذب الاستثمار الخارجي، فيما يلي بعض الاستراتيجيات الشائعة:
1. وضع إطار تنظيمي واضح وشفاف لقطاعات الإستثمار المختلفة يشمل ذلك وضع قوانين ولوائح تحفز الاستثمار الخارجي وتوفر حماية للمستثمرين. ويجب أن تكون الإجراءات الإدارية سهلة وفعالة، وأن تكون هناك جهات رقابية قوية لضمان الامتثال والشفافية.
2. توفير الاستقرار السياسي والاقتصادي. 3- تشجيع الاستثمار الخارجي عن طريق إقامة شراكات بين القطاعين العام والخاص. يمكن أن تشمل هذه الشراكات نماذج مثل بناء-تملك-نقل (BOT) أو بناء – استغلال – تملك (BOO)، حيث يتم تخصيص المشروع للقطاع الخاص للبناء والتشغيل والصيانة. 4- توفيرحوافز لجذب الاستثمار الخارجي. 5- تبسيط الإجراءات الإدارية والبيروقراطية المتعلقة بتنفيذ المشاريع. 6- تعزيز الشفافية وإقامة شراكات فعّالة مع المستثمرين من جانب الدولة. 7- تطوير البنية التحتية الأساسية، يشمل ذلك النقل والطرق والموانئ والمطارات والشبكات الكهربائية والاتصالات والمياه والصرف الصحي والطاقة المتجددة. 8- التسويق والإعلان على المستوى الدولي، حيث يمكن استخدام وسائل التواصل الاجتماعي والحملات الإعلانية والمعارض والمؤتمرات لزيادة الوعي وجذب المستثمرين المحتملين.
كما تجدر الإشارة الى أن هناك العديد من الدول التي نجحت في جذب الاستثمار الخارجي منها الصين والهند والإمارات العربية المتحدة وأستراليا وكندا وغيرها العديد من الدول الأوروبية وأمريكا الجنوبية مثل البرازيل والإفريقية حديثاً وخاصة في قطاعات البنية التحتية والتكنولوجية.
فتحى ندا يكتب : الإستثمار الخارجي المباشر بين بيع الأصول والمساس بالسيادة الوطنية
يجب ملاحظة أن النجاح في جذب الإستثمار الخارجي والإستفادة منه يعتمد على عدة عوامل، بما في ذلك الاستقرار السياسي . البيئة الاقتصادية المواتية، الإطار التشريعي الجيد، التوافر الملائم للموارد البشرية والتكنولوجية والبنية التحتية والخدمات الأساسية فضلا عن ضمانات عدم المساس بمصالح الدولة العليا وإستقلال قرارها السياسي والإقتصادى وكل مايتعلق بسيادة الدولة المستضيفة وأمنها القومي.
تابعو اخبار سفنكس نيوز : https://www.sphinxtv.tv/
https://www.facebook.com/groups/sphinx.news

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى